( يوميات بغل أفندي)
أعترف بأني بغل
نعم ، أنا
كذلك ، فمنذ مطلع حياتي وأنا أشعر في قرارة نفسي بأني أهون شأنا من الطبقات
الاجتماعية الأخرى ، فلهثت أسعى لاكتساب حقوق "المواطنة " كي اموت – إن
حصلت عليها – وأنا قرير العين ، هانئ البال بأداء الرسالة التي سوف أسلمها لأجيال
البغال من بعدي .
ولكم سعيت أن
أدخل عالم الفهم والتحليل لأكون "البغل الأول " بامتياز الذي يفهم هذا
العالم من حوله ، "البغل الأول " الذي يستطيع قراءة الخارطة ويقول بغرور
واضعاً حافره عليها :" هذا هو عالمنا ".
ولكم شغفت وأن
أسترق النظر من شبّاك دار " أبو العبد " إلى شاشة التلفزيون " أبو
14 بوصة " بعالم الصور التي تتحرك في نشرات الأخبار و أسهر الليالي مقلباً تلك الصور في دماغي لأتدرب على
فهمها وقراءتها كي أخرج أفنديا في نهاية المطاف .
ولكم شعرت
بالحزن كصديقنا جورج غالاوي وأن أرى الظلم الذي يحيق بالعرب في كل مكان فأتمزق
وأنا أشتم شلة الأنس الاستعمارية ومن والاها.
وكم وكم وكم
لكنني الآن بعد كل هذه الألوان الزاهية لأحلامي الجميلة أعترف أنه عالم عربي عصي
على الفهم ، وأن من يحاول فهم أحواله الغرائبية أحد شخصين : عبقري فوق المستوى
الموجود مآله للجنون ، أو غبي لن يرتفع فوق مستوى غبائه .
فكم سوف
يستغرقني من الوقت والحبر وأنا أحاول فهم قائد شعب يحاول منع إدانة عدوه وتجريمه
رغم أن عدوه ارتوى من دماء شعبه .
وكم ستحيرني
كاثوليكية من هو أشد كاثوليكية من البابا نفسه ، وإخلاصه في حراسة معبر رفح نيابة
عن "العصابات " على الحدود الشمالية ، بل ومنع وصول الدواء والغذاء
للمحجوزين داخل البوابة الجدار .
كيف سأحلل
غبطة " أم الدنيا " وشرطتها تتباهى
أنها أمسكت مواطناً غزياً يهرب علبة دهان أو علبة سردين من أجل أطفاله ،
وكيف سأبرر غرس جدار الفولاذ مسافة ثلاثين متراً تحت الأرض حتى لا يبقى أمل "لأخوة
" غزة في الحياة ، كأنهم هم العدو لا إسرائيل .
وكيف سيرتفع
عقلي إلى مستوى فهم منع قافلة مساعدات " لا أسلحة " يقودها أناس كل ما
يربطهم بنا " الإنسانية " من الوصول إلى غزة والتفنن في وضع العقبات
أمامها وإرهاق مادياً وجسدياً .
ألم أقل لكم
إنه عالم عصي على الفهم ؟، من أجل ذلك أعلن عن تنازلي عن حلمي في الفهم مكتفياً
بمتعة أن أظل بغلاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق