( يوميات بغل أفندي)
حيرتي ردات أفعالهم
وحار دليلي ، وشاكتني
أشواك المشهد العجيب من حولي ، فقمت وطرقت الباب مستنجداً ، فأطل "أبو العبد
" وهو يفرك عينيه نعاساً ، وما أن رآني حتى صرخ :
-
ماذا تريد يا بغلي في هذه الساعة ؟.
فقلت :
-
حيرتي طالت ، وأريد من أكلمه وإلا فسوف أختنق .
فتوسعت عيناه اندهاشاً :
-
الساعة الواحدة فجراً !؟، ولم تجد
أحداً سواي يا بغل ؟.
-
صباح الخير ، وهل تجد من يستطيع النوم في ظل هذه الأحداث من حولنا ؟.
فضحك قائلاً : معك حق ،
ثم خرج وجلس فوق دكة الباطون الرابضة إلى جانب ركني وقال :
-
هاه .... أخرج الدرر من فمك يا بغلي العزيز .
-
ولاة أمركم .
-
يخرب بيتك ، مالك ولهم ؟!.
فهمهمت مفكراً :
-
لا تذهب بعيداً ، غير أن أمرهم العجيب بات يحيرني منذ فترة .
-
قل ولا " تبطَّ " كبدي .
فاسترسلت قائلاً :
-
أي سيمفونية عجيبة تلك متشابهة الإيقاعات ، منظمة الأنفاس ، منسجمة إلى حد التطابق أحياناً تلك التي ألهمت حكامكم –
معشر العرب – ردات الفعل المتشابهة إيقاعاً ومضموناً كأنما تصدر عن موجهٍ واحد ؟.
" فكلهم " يبدأ مستهزئا بالجماهير واعداً
بإصلاحات بالونية ، حتى إذا ما احتد الأمر بدأوا بتوجيه الاتهامات إلى أيدٍ خفية
تحرك الأحداث من خلف المشهد ، متخبطين في اتهاماتهم يبدأون بدول ذات أهداف خبيثة
،ثم يعرجون إلى دول عدوة ، ثم يتهمون أجندة (الجزيرة ) ليستقر الأمر في نهاية المطاف إلى
"البعبع" الإسلامي ، ثم إذا ما
احتد الأمر بدأوا بإرسال البلطجية بعدما فشلت قوى الأمن في كبح جماح الإرادة
الشعبية ، وبدأوا يتدثرون بغطاء الفتوى وحكم الشرع .
" كلهم " سئم
الرئاسة والحكم و " قرف " منهما، إنما هي مغرم عندهم لا مغنم .
" وكلهم " قدم
للوطن ما لم يقدمه غيره ، فتاريخهم حافل بالبطولات والأمجاد .
" وكلهم " يريد
الالتزام بالشرعية والوصول لموعد الاستحقاق الانتخابي الذي طالما أُهمل وتلاعبواً
به ، وكلهم يريد الالتزام بالفترة الرئاسية التي سبق وأن ( مططوها ) كما شاءواً .
" كلهم" يخافون على البلاد من التمزق إن هم رحلوا ، لأنهم "
وحدهم " صمام الأمان للوحدة الوطنية . و " كلهم" لم يأمروا بإطلاق
الرصاص على المتظاهرين ، ولم يعلموا بما جرى ، حتى إذا ضاق الخناق من حولهم تحججوا
بالدستور الذي سوف يحتاج تعديله إلى وقت طويل ، ومراحله القانونية اللازمة من أجل
التعديل ، وكم من جلسة انعقدت من أجل التعديل لم تستغرق الدعوة إليها سوى ساعات .
" كلهم" يريد تسليم السلطة - إن هم استيأسوا – لأيدٍ أمينة ،
نظيفة ، وطنية تستطيع إدارة البلاد بعد الرحيل ، كأن شعوبهم مجرد أطفال غير قادرين
على إدارة أمورهم ، أليسوا مجرد قطيع أغنام ؟!.
ومن قبل كلهم رفع الأسعار لأن الأسواق العالمية التهبت ، أما حين خافوا
شعوبهم انخفضت الأسعار سريعا وتوسعت الميزانية بقدرة قادر .
" كلهم" لم يعتبر بمن سبقه ، ولم يستفد من تجربة " جاره
" لأن بلده يختلف عن البلاد المجاورة ، ردات الفعل ذاتها ، موحدة الإيقاع
منسجمة .
أهو " العبط " أم ماذا ؟.
-
احترم نفسك .
صاح سيدي " أبو العبد "
وهو يبتسم بخبث ، ثم قال :
-
هذا لأن السلطة لما طالت مدتها في أيديهم ، صلب العود واشتد ، وتضخمت
الذوات ، فتحولت النرجسية إلى وثن يستحق العبادة ، ونسوا ما كانوا عليه قبل السلطة
، ولم يظنوا أن أحداً من شعوبهم سوف يقارعهم ذات يوم ، تعودوا طاعة الشعوب
بالترهيب والتقسيم ، علوا في الأرض وجعلوا أهلها شيعاً ، استضعفوا طائفة وأذلوا
أخرى فاعتادوا الطاعة ظانين أنها جلبت لهم الشرعية المبتغاة ، وحين أزفت ساعة
الانفجار لم يصدقوا أعينهم ، وكلهم في ذلك سواء ، ظنوا أن التجربة تختلف من إقليم
لإقليم ، ولما وصل إليهم الدور أخذت ردة الفعل ذات الشكل السابق بالتكرار مع
اختلافات بسيطة ، أعقلت يا بغلي العزيز ما يحدث ؟.
فصحت فرحاً :
-
نعم ، وجدت بعض الإجابة .
فقام قائلاً :
-
إذاً " انخمد " ودعني
أطفئ نعاسي .
وأغلق الباب خلفه وتركني وحيداً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق