بين "من انتم ؟ " و
"حرام عليكم "
بين العبارة المتعالية المتغطرسة التي أطلقها الدكتاتور
البائد القذافي حين انتفض شعبه على بطشه قائلا : " من انتم " فحول
الرعية الساخطة إلى مجرد جرذان يهزأ بها وبين العبارة الأخيرة التي أطلقها
مستنجداً بطريقة مخزية " حرام عليكم " تكمن مأساة العالم العربي والحاكم
العربي الذي ينسج خاتمته المأساوية دون أن يعي ما تؤول إليه مصائر الطغيان .
رغم كل هذا الجبروت إلا أن " الطاغية " يشكل حالة مأساوية لنفسه قبل الآخرين ،
بحساباته الخاطئة التي حولته إلى حالة علوية فوق الجميع في بلاده ، بل ذهب ظنه إلى
خارج بلاده .
القضية ليست قضية جنون عظمة بقدر ما هي قوة السيطرة والمال
والاستئساد حين لم يجد من يقف في وجهه ، فلم يعد يسمع سوى صدى نفسه ، فأسقط قوة
الحق من حساباته ونسي أنه مجرد وسيلة لإعطاء الحقوق لأصحابها وأداة لإنهاض رعيته
فأصبحت عنده مجرد جرذان ، بل لا شيء بعبارته " من أنتم ؟ "
بل لقد أسقط من فكره أنه معني بأي حدث ما أو حتى اتعاظ
بمن سبقه من الحكام ، ألم يحذر إخوانه ذات قمة من مصير مشابه لمصير صدام حسين ؟،
لكنه ختم تحذيره بأن من في الخارج يعي أكثر ممن هو في الداخل ، فكان كما قال ونسي
انه معني بالقول قبل الآخرين .
وفي لمح البصر ضاق الحال بمن وصفهم بالجرذان فعرفوا
الطريق إلى استرداد كرامتهم المصادرة في السجن الكبير ، فكما أن الباطل المتمثل في
شخص المتألهين يأخذ شكلاً أسطورياً ترتعب منه فرائص المتأرنبين كذلك يأتي هدير
الشعوب إن هي أقبلت على صنع وجودها بأيديها ، دون الاحتياج إلى اللمسات الطوقية
لأصابع " مولى العباد " الذي هرع إلى عبارات المياه مختبئاً .
ولندع المنحى القانوني والإنساني للنهاية المأساوية للهارب
من نتيجة بغية جانباُ متسائلين :لماذا نستهجن الثورة التي اعتملت في نفوس الذين
أمسكوه بعدما ذاقوا ويلات بطشه فقادوه إلى مصيره المحتوم – ولنغض الطرف هنا عن
مصلحة القوى التي استهجنت طريقه مقتله في انهاء حياته حتى لا ينكشف المستور - .
ليس مستغربا أن تأتي الصرخة المرعوبة مختومة بـ
"حرام عليكم " لأني أتصور أن
القذافي لم ير الثوار حينها بقدر ما كان يرى صحيفة أعماله فحق له أن يطلقها مرعوبا
من خاتمته التي صنعها بيديه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق