(جُمَعُ) الميادين
منذ أن تشكل وعينا الفكري
والاجتماعي خلال السبعين سنة الماضية قرَّت في وجداننا شعائر خاصة تطبع يوم الجمعة
بنكهة خاصة ، منها ما هو ديني ومنها ما هو عرفي ، شكلته طبيعة الحياة ، وأنماط
العمل والعطل والكسل .
يوم الجمعة .... تضيع
تقسيماته وقسماته بين الأفطار الذي يأتي متأخراً بسبب رغبتنا في كسر روتين العمل
في ما عداه من أيام الأسبوع ، فنغط في
الكسل حتى العاشرة صباحاً ، ثم نذهب إلى صلاة الجمعة التي لم يعد يهز وجداننا منها
شيء بعدما صارت مقننة بأمر من أمر ، توزع على الخطباء لتتلى بكل إذعان فاقدة للروح
والمعنى ، تنتهي بالتسبيح بحمد السلطان والدعاء لله بأن يحفظ ولي النعمة دون
المرور على ما يحيط بالأمة من وجع ، ثم يأتي الغداء المبكر على غير العادة كما هو
في بقية الأيام ، لتحل بعده فترة القيلولة لنفشَّ غلنا من قيلولة الأيام السابقة
التي ضاعت علينا في العمل ،أما بعد العصر فيضيع بين أيدي الزيارات وصلات الأرحام ،
أما أحسن الأحوال فيكون عندما تقوم العائلة بمحاولة للجم شراهة الكبت بالذهاب في
رحلة إلى منطقة سياحية مرة أو مرتين في العام بحسب الميزانية المتوفرة .
هكذا كانت " جُمعنا
" ، قشور نلامسها برتابة ، ....... جمعة و السلام ، قلَّ منا من يستطيع
التفرقة بين رتابتها ورتابة كل شيء من حولنا ، كل الأيام تحمل ذات اللون ، ذات
النكهة ، ذات الرائحة .
على حين غفلة ذات ربيع
جميل في يناير الذي صار دافئاً ، أصبحت جُمعنا تضبط إيقاعاتها على مقياس ريختر ،
تثور الجماهير العربية هدارة تُكبر ،
وتهلل ، وينتقل " فعلها " لا صوتها فحسب من عاصمة إلى أخرى، تنبيك أنها شعوب لم تمت ، ولن تموت ، شعوب قادرة
على الفعل والزمجرة الحقيقية ، والعناد ومقارعة الأوثان ، حتى إذا ما سقط اللات
مساء جمعة ، تبعه هبل في جمعة تالية ، فأصبح إيقاع الجمعة عندنا لحناً خالداً ، و
صار نسيم خطبة الجمعة يعبق من ميدان التحرير أو ميدان التغيير ، أو ساحات بنغازي
ليجد صداه في آذاننا إمتاعاً وأنساً ، نردد كلمات الخطيب ونفهم معنى الجمعة ونتدبر
الكلمات في جلسات المساء .
ما أجمل يوم الجمعة ، ما
أحب اخضراره إلى قلوبنا ، ربيع دافئ لقلوب متعطشه .
ليست رغبة في الفوضى والعبث كما يدعون ، لكنها الرغبة الحقيقية في
إعادة تشكيل ذواتنا ووجودنا بعدما أيأسونا من كل ما لدينا حتى من أرواحنا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق